فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم ذكر سبحانه طرفًا من قبائح الكفار، ونوعًا من أنواع كفرهم، فقال: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بهذا القرءان وَلاَ بالذى بَيْنَ يَدَيْهِ} وهي: الكتب القديمة، كالتوراة، والإنجيل، والرسل المتقدّمون.
وقيل: المراد بالذي بين يديه الدار الآخرة.
ثم أخبر سبحانه عن حالهم في الآخرة، فقال: {وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبّهِمْ} الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح له، ومعنى {موقوفون عند ربهم} محبوسون في موقف الحساب {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ القول} أي: يتراجعون الكلام فيما بينهم باللوم والعتاب، بعد أن كانوا في الدنيا متعارضين متناصرين متحابين.
ثم بيّن سبحانه تلك المراجعة، فقال: {يَقُولُ الذين استضعفوا} وهم: الأتباع {لِلَّذِينَ استكبروا} وهم: الرؤساء المتبوعون {لَوْلاَ أَنتُمْ} صددتمونا عن الإيمان بالله، والاتباع لرسوله {لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} بالله مصدّقين لرسوله، وكتابه.
{قَالَ الذين استكبروا لِلَّذِينَ استضعفوا} مجيبين عليهم مستنكرين لما قالوه: {أَنَحْنُ صددناكم عَنِ الهدى} أي: منعناكم عن الإيمان {بَعْدَ إِذْ جَاءكُمْ} الهدى، قالوا هذا منكرين لما ادّعوه عليهم من الصدّ لهم، وجاحدين لما نسبوه إليهم من ذلك، ثم بينوا لهم: أنهم الصادّون لأنفسهم، الممتنعون من الهدى بعد إذ جاءهم، فقالوا: {بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ} أي: مصرّين على الكفر، كثيري الإجرام، عظيمي الآثام.
{وَقَالَ الذين استضعفوا لِلَّذِينَ استكبروا} ردًّا لما أجابوا به عليهم، ودفعًا لما نسبوه إليهم من صدّهم لأنفسهم {بَلْ مَكْرُ اليل والنهار} أصل المكر في كلام العرب: الخديعة، والحيلة، يقال: مكر به إذا خدعه، واحتال عليه.
والمعنى: بل مكركم بنا الليل والنهار، فحذف المضاف إليه، وأقيم الظرف مقامه اتساعًا.
وقال الأخفش: هو على تقدير هذا مكر الليل، والنهار.
قال النحاس: المعنى والله أعلم، بل مكركم في الليل، والنهار، ودعاؤكم لنا إلى الكفر هو الذي حملنا على هذا.
وقال سفيان الثوري: بل عملكم في الليل والنهار، ويجوز: أن يجعل الليل، والنهار ماكرين على الإسناد المجازي كما تقرّر في علم المعاني.
قال المبرّد كما تقول العرب: نهاره صائم، وليله قائم، وأنشد قول جرير:
لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السرى ** ونمت وما ليل المطيّ بنائم

وأنشد سيبويه:
قيام ليلي وتجلي همي

وقرأ قتادة، ويحيى بن يعمر برفع: {مكر} منوّنًا، ونصب: {الليل والنهار} والتقدير: بل مكر كائن في الليل والنهار.
وقرأ سعيد بن جبير، وأبو رزين بفتح الكاف، وتشديد الراء مضافًا بمعنى: الكرور، من كرّ يكرّ إذا جاء، وذهب، وارتفاع {مكر} على هذه القراءات على أنه مبتدأ، وخبره محذوف، أي: مكر الليل والنهار صدّنا، أو على أنه فاعل لفعل محذوف، أي: صدّنا مكر الليل والنهار، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف كما تقدّم عن الأخفش.
وقرأ طلحة بن راشد كما قرأ سعيد بن جبير، ولكنه نصب مكر على المصدرية، أي: بل تكرّرت الإغواء مكرًّا دائمًا لا تفترون عنه، وانتصاب {إِذْ تَأْمُرُونَنَا} على أنه ظرف للمكر، أي: بل مكركم بنا وقت أمركم لنا {أَن نَّكْفُرَ بالله وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا} أي: أشباهًا، وأمثالًا.
قال المبرد: يقال ندّ فلان فلان، أي: مثله، وأنشد:
أتيما تجعلون إليّ ندًّا ** وما تيم بذي حسب نديد

والضمير في قوله: {وَأَسَرُّواْ الندامة لَمَّا رَأَوُاْ العذاب} راجع إلى الفريقين أي: أضمر الفريقان الندامة على ما فعلوا من الكفر، وأخفوها عن غيرهم، أو أخفاها كل منهم عن الآخر مخافة الشماتة.
وقيل: المراد بأسرّوا هنا أظهروا؛ لأنه من الأضداد يكون، تارة بمعنى: الإخفاء، وتارة بمعنى: الإظهار، ومنه قول امرىء القيس:
تجاوزت أحراسًا وأهوال معشر ** عليّ حراص لو يسرون مقتلي

وقيل: معنى {أسروا الندامة} تبينت الندامة في أسرّة وجوههم {وَجَعَلْنَا الأغلال في أَعْنَاقِ الذين كَفَرُواْ} الأغلال جمل غلّ، يقال: في رقبته غلّ من حديد، أي: جعلت الأغلال من الحديد في أعناق هؤلاء في النار، والمراد بالذين كفروا: هم المذكورون سابقًا، والإظهار لمزيد الذمّ، أو للكفار على العموم، فيدخل هؤلاء فيهم دخولًا أوّليًا: {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي: إلاّ جزاء ما كانوا يعملونه من الشرك بالله، أو إلاّ بما كانوا يعملون على حذف الخافض.
وقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ} قال: إلى الناس جميعًا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة قال: أرسل الله محمدًا إلى العرب، والعجم، فأكرمهم على الله أطوعهم له.
وأخرج هؤلاء عنه في قوله: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بهذا القرءان} قال: هذا قول مشركي العرب كفروا بالقرآن، وبالذي بين يديه من الكتب، والأنبياء. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ}.
لو رأيتهم يومذاك لرأيتَ منظرًا فظيعًا؛ يرجعُ بعضهم إلى بعض القولَ، ويُحيل بعضهم على بعضٍ الجُرمَ؛ يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا: أَنتم أضللتمونا، ويُنكرُ الذين استكبروا ويقولون: بل أنتم اتبعتمونا... وهكذا أصحابُ الزلاتِ الأخلاء في الفساد، قال تعالى: {بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [الزخرف: 67].
وكذلك الجوارحُ والأعضاء غدًا يشهد بعضها على بعض؛ فاليد تقول للجملة أخذت، والعين تقول أبصرت، والاختلاف في الجملة عقوبة، ومَنْ عمل بالمعاصي أخرج الله عليه كل من هو أطوع له، ولكنهم لا يعلمون ذلك، ولو علموا لاعتبروا، ولو اعتبروا لتابوا ووفّقُوا... ولكن ليقضي اللَّهُ أَمْرًا كان مفعولًا. اهـ.

.تفسير الآيات (34- 38):

قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان في هذا تسلية أخروية، أتبعه التسلية الدنيوية، فقال عطفًا على ما تقديره: وما أرسلنا غيرك إلا إرسالًا خاصًا لأمته، عطفًا على {ما أرسلناك إلا كافة} وساقه مؤكدًا لأنه مضمونه- لكونه في غاية الغرابة- مما لا يكاد يصدق: {وما أرسلنا} أي بعظمتنا ولما كان المقصود التعميم، لأنه لم يتقدم قول قريش ليخص التسلية بمن قبلهم، أسقط القبلية بخلاف ما في سورة الزخرف فقال: {في قرية} وأكد النفي بقوله: {من نذير} أي ينذرهم وخامة ما أمامهم من عوقب أفعالهم، ودل بإفراده عن البشارة أن غالب الأمم الماضية من أهل النذارة لنظهر مزية هذه الأمة، ولعله عبر به إشارة إلى الناسخين للشرائع التي قبلهم دون المجددين من أنبياء بني إسرائيل فإن بعضهم لم يكذب {إلا قال مترفوها} أي العظماء الذين لا شغل لهم إلا التنعم بالفاني حتى أكسبهم البغي والطغيان: {إنا بما أرسلتم به} أي أيها المنذرون {كافرون} أي وإذا قال المنعمون ذلك تبعهم المستضعفون فإذا وقفوا عندنا تقاولوا بما تقدم ثم لم ينفعهم ذلك {وقالوا} مفاخرين ودالين على أنهم فائزون كما قال لك هؤلاء كأنهم تواصلوا به: {نحن أكثر}.
ولما كانت الأموال في الأغلب سببًا لكثرة الأولاد بالاستكثار من النساء الحرائر والإماء، قدمها فقال: {أموالًا وأولادًا} أي في هذه الدنيا، ولو لم يرض منا ما نحن عليه ما رزقنا ذلك {وما نحن} أي الآن {بمعذبين} أي بثابت عذابنا، وإنما تعرض لنا أحوال خفيفة من مرض وشدائد هي أخف من أحوالكم، وحاليًا الآن دليل على حالنا فيما يستقبل من الزمان كائنًا ما كان، فإن الحال نموذج المآل، والأول دليل الآخر، فإن كان ثَم آخرة كما تقولون فنحن أسعد منكم فيها كما نحن أسعد منكم الآن، ولم تنفعهم قصة سبأ في ذلك فإنهم لو تأملوا لكفتهم، وأنارت أبصار بصائرهم، وصححت أمراض قلوبهم وشفتهم، فإنهم كانوا أحسن الناس حالًا، فصاروا أقبحهم مآلًا.
ولما كانت لشبهتهم هذه شعبتان تتعلق إحداهما بالذات والأخرى بالثمرات، بدأ بالأولى لأنها أهم، فقال مؤكدًا تكذيبًا لمن يظن أن سعيه يفيد في الرزق شيئًا لولا السعي ما كان: {قل} يا أكرم الخلق على الله! مؤكدًا لأجل إنكارهم لأن يوسع في الدنيا على من لا يرضى فعله: {إن ربي} أي المحسن إليّ بالإنعام بالسعادة الباقية {يبسط الرزق} أي يجدده في كل وقت أراده بالأموال والأولاد وغيرها {لمن يشاء ويقدر} أي يضيق على من يشاء منكم أن يكون جميع الموسع عليهم على ما هو حق عنده ومرضى له، لاختلافهم في الأصول وتكفير بعضهم لبعض، فإن الله معذب بعضهم لا محالة، فبطلت شبهتهم، وثبت أنه يفعل ما يشاء ابتلاء وامتحانًا، فلا يدل البسط على الرضى ولا القبض على السخط- على ما عرف من سنته في هذه الدار {ولكن أكثر الناس} أي الذين لم يرتفعوا عن حد النوس والاضطراب {لا يعلمون} أي ليس لهم علم ليتدبروا به ما ذكرنا من الأمر فيعلموا أنه ليس كل موسع عليه في دنياه سعيدًا في عقباه.
ولما هدم ما بالذات، أتبعه ما بالثمرات، فقال مؤكدًا تكذيبًا لدعواهم: {وما أموالكم} أي أيها الخلق الذين أنتم من جملتهم وإن كثرت، وكرر النافي تصريحًا بإبطال كل على حياله فقال: {ولا أولادكم} كذلك، وأثبت الجار تاكيدًا للنفي فقال واصفًا الجمع المكسر بما هو حقه من التأنيث: {بالتي} أي بالأموال والأولاد التي {تقربكم عندنا} أي على ما لنا من العظمة بتصرفاتكم فيها بما يكسب المعالي {زلفى} أي درجة علية وقربة مكينة قال البغوي: قال الأخفش: هي اسم مصدر كأنه قال: تقريبًا، ثم استثنى من ضمير الجمع الذي هو قائم مقام أحد، فكأنه قيل: لا تقرب أحدًا {إلا من} أو يكون المعنى على حذف مضاف أي إلا أموال وأولاد من {آمن} أي منكم {وعمل} تصديقًا لإيمانه على ذلك الأساس {صالحًا} أي في ماله بإنفاقه في سبيل الله وفي ولده بتعليمه الخير.
ولما منّ على المصلحين من المؤمنين في أموالهم وأولادهم بأن جعلها سببًا لمزيد قربهم، دل على ذلك بالفاء في قوله: {فأولئك} أي العالو الرتبة {لهم جزاء الضعف} أي بأن يأخذوا جزاءهم مضاعفًا في نفسه من عشرة أمثال إلى ما لا نهاية له، ومضاعفًا بالنسبة إلى جزاء من تقدمهم من الأمم، والضعف: الزيادة {بما عملوا} فإن أعمالهم ثابتة محفوظة بأساس الإيمان {وهم في الغرفات} أي العلالي المبنية فوق البيوت في الجنان، زيادة على ذلك {آمنون} أي ثابت أمنهم دائمًا، لا خوف عليهم من شيء من الأشياء أصلًا، وأما غيرهم وهم المرادون بما بعده فأموالهم وأولادهم وبال عليهم.
ولما كان في سياق الترغيب في الإيمان بعد الإخبار بأنه بشير ونذير قال معبرًا بالمضارع بيانًا لحال من يبعده ماله وولده من الله: {والذين يسعون} أي يجددون السعي من غير توبة بأموالهم وأولادهم {في آياتنا} على ما لها من عظمة الانتساب إلينا {معاجزين} أي طالبين تعجيزها أي تعجيز الآتين بها عن إنفاذ مراداتهم بها بما يلقونه من الشبه فيضلون غيرهم بما أوسعنا عليهم وأعززناهم به من الأموال والأولاد.
ولما كان سبحانه قد بت الحكم بشقاوتهم، وأنفذ القضاء بخسارتهم، أسقط فاء السبب إعراضًا عن أعمالهم وقال: {أولئك} أي البعداء البغضاء {في العذاب} أي المزيل للعدوية {محضرون} أي يحضرهم فيه الموكلون بهم من جندنا على أهون وجه وأسهله وهم داخرون، قال القشيري: إن هؤلاء هم الذين لا يحترمون الأولياء ولا يراعون حق الله في السر، فهم في عذاب الاعتراض على أولياء الله وعذاب الوقوع بشؤم ذلك في ارتكاب محارم الله ثم في عذاب السقوط من عين الله. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34)}.
تسلية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم وبيانًا لأن إيذاء الكفار الأنبياء الأخيار ليس بدعًا، بل ذلك عادة جرت من قبل وإنما نسب القول إلى المترفين مع أن غيرهم أيضًا قالوا: {إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافرون} لأن الأغنياء المترفين هم الأصل في ذلك القول، ألا ترى أن الله قال عن الذين استضعفوا إنهم قالوا للمستكبرين لولا أنتم لكانوا مؤمنين، ثم استدلوا على كونهم مصيبين في ذلك بكثرة الأموال والأولاد فقالوا: {نَحْنُ أَكْثَرُ أموالا وأولادا} أي بسبب لزومنا لديننا، وقوله: {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} أي في الآخرة كأنهم قالوا حالنا عاجلًا خير من حالكم، وأما آجلًا فلا نعذب إما إنكارًا منهم للعذاب رأسًا أو اعتقادًا لحسن حالهم في الآخرة أيضًا قياسًا على حسن حالهم في الدنيا.
{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36)} يعني أن الرزق في الدنيا لا تدل سعته وضيقه على حال المحق والمبطل فكم من موسر شقي ومعسر تقي {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} أي أن قلة الرزق وضنك العيش وكثرة المال وخصب العيش بالمشيئة من غير اختصاص بالفاسق والصالح.
{وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)} يعني قولكم نحن أكثر أموالًا فنحن أحسن عند الله حالًا ليس استدلالًا صحيحًا، فإن المال لا يقرب إلى الله ولا اعتبار بالتعزز به، وإنما المفيد العمل الصالح بعد الإيمان والذي يدل عليه هو أن المال والولد يشغل عن الله فيبعد عنه فكيف يقرب منه والعمل الصالح إقبال على الله واشتغال بالله ومن توجه إلى الله وصل ومن طلب من الله شيئًا حصل، وقوله: {فأولئك لَهُمْ جَزَاء الضعف} أي الحسنة فإن الضعف لا يكون إلا في الحسنة وفي السيئة لا يكون إلا المثل.
ثم زاد وقال: {وَهُمْ في الغرفات ءَامِنُونَ} إشارة إلى دوام النعيم وتأبيده، فإن من تنقطع عنه النعمة لا يكون آمنًا.
{وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38)}.
وقد ذكرنا تفسيره، وقوله: {أولئك في العذاب مُحْضَرُونَ} إشارة إلى الدوام أيضًا كما قال تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا} [السجدة: 20] وكما قال تعالى: {وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَائِبِينَ} [الإنفطار: 16]. اهـ.